يواجه التعليم في الفترة الأخيرة تهديدًا غير مسبوق وأزمة ذات حجم استثنائي ، حيث أعلنت الحكومات في جميع أنحاء العالم عن إغلاق المؤسسات التعليمية سعياً منها إلى الحدّ من الجائحة العالمية فقد إنقطع عن التعليم ما يقارب 80% من الطلاب الملتحقين بالمدارس على المستوى العالمي. أما على المستوى الوطني، فقد تقرر توقف الدروس يوم الخميس 12 مارس 2020 وذلك بتقديم بداية عطلة الربيع بكافة المؤسسات الجامعية العمومية والخاصة، وكان هذا أول إجراء وقائي متخذ فيما يخص قطاع التعليم في تونس بعد أن صنفت منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا جائحة عالمية.
وفي هذا الإطار، أنجزت منظمة سوليدار تونس بحثًا حول تأثير جائحة كورونا على التعليم الجامعي حيث أطلقت على شبكة التواصل الإجتماعي فايسبوك إستبيانا موجّها للطلبة من كلّ المستويات بغايةِ جمع البيانات لفهم الوضع الراهن وتحديد أثره على مؤسسات التعليم العالي في تونس و التّعرف على الحلول المبتكرة التي يتم تطويرها حاليًا للتعامل مع الوضع والتّثبّت من كونها تستجيب لمنطق الإدارة المشتركة للأزمة و الإنفتاح على الطلبة باعتبارهم الفئة المتضرّرة مباشرة .
تحوم أبرز هذه النقاط حول : علاقة الطالب بالمؤطر، النفاذ إلى المراجع والمعلومات بالنسبة للطلبة الباحثين، آجال الإيداع بالنسبة لتقارير البحث ( تقارير ختم التربص, رسالة الماجستير , أطروحة الدكتوراه) في كل من دورة أفريل ، ماي وجوان 2020.
أولاً : في ما يخص علاقة الطالب بالمؤطر
تتطلّب مرحلة البحث التنسيق المستمرّ بين الطالب و المؤطر. ويحدث أن تطرح هذه العلاقة الدقيقة عددا من الإشكاليات بالنظر إلى أن مسؤوليّة إنجاح البحث مشتركة بين المؤطر الذي يعهد إليه النظام التعليمي دور التوجيه و التقويم و الطالب الذي يتعيّن عليه الإجتهاد و إتّباع توجيهات المؤطر.و في كلّ الأحوال يتطلّب ذلك وجود قناة تواصل ناجعة بين الطرفين.
إعتبرت نسبة كبيرة من الطلبة أنه كان من شأن التواصل مع المؤطر أن يكون أكثر مرونة إن لم نكن في مثل هذا الظرف الإستثنائي وذلك من خلال التواصل المباشر معه حيث يعتبر اللقاء أنجع طريقة للتنسيق والتجاوب حتى يتمكن المؤطر من توجيه الطالب وتأطيره بصورةٍ أفضل . حيث تعتبر بقيّة وسائل التواصل بين الطرفين ، سواءًا عبر البريد الإلكتروني أو الهاتف أو كذلك إحدى وسائل التواصل الإجتماعي ، قاصرة عن تأمين التنسيق اللازم . يعتبر مجمل الطلبة أنها لا تفي بالغرض كما أنها لا تلبي حاجة الطالب على أحسن وجه فغالباً ما يكون الرد من طرف المؤطر متأخرا حيث تتراوح المدة بين أسبوعين إلى ثلاثة اسابيع ويمكن أن يكون التفاعل منعدما كأن لا يقع الرد بتاتاً من طرف المؤطر ، فالبعض لم يحصل على رد مؤطره منذ بداية الحجر الصحي وهو ما يؤدي بالتالي إلى تعطيل أبحاث الطالب وفقدانه الشغف لأن مثل هذا النسق المتقطّع يجعله أكثر صعوبة.
أشار بعض الطلبة أيضا إلى وجوب إعادة النظر في العلاقة بين المؤطر والطالب و توطيدها لأنه يوجد أحيآنا نظرة فوقية. ويُعزى الأمر إلى طبيعة النظام التعليمي الذي يقوم أساسا على التلقين و يؤسس لعلاقة عموديّة ذاتِ إتّجاهٍ أحادي غالبا (من المُعلّم إلى المتعلّم). وهو ما يتعيّن تحويره في إتّجاه منح المتعلّم دورًا أكبر في العمليّة التعليميّة قبل بلوغ مرحلة البحث و ذلك لتدريبه على المشاركة في إنتاج المعلومة و تدريب الأساتذة على الإنفتاح على الطلبة و الإصغاء إلى أفكارهم و التفاعل معها في إطار فلسفة جديدة تعتبر العملية التعليميّة عمليّة مشتركة.
ثانياً : النفاذ إلى المراجع
يطرح النفاذ إلى المراجع إشكاليات كبيرة في الأوقات العاديّة بسبب تخلّف أغلب المكتبات في الكليّات عن الرّقمنة مما يجعل عمليّة البحث عسيرة. و تتفاقم هذه الإشكالية في الأوقات الإستثنائية كالأزمة الأخيرة التي أغلقت فيها المكتبات أبوابها فلم يعد أمام الطلبة خيار غير الإستنجاد بالمكتبات الإلكترونية التي يتمحور دورها الأساسي في توفير النفاذ إلى المعلومة بكل سهولة وسلاسة وذلك من خلال توفير المراجع الكافية حتى يتمكن الطالب من القيام بابحاثه. إلا أن هذا الطلبة يجدون أنفسهم اليوم أمام مواقع غير مجانية تتطلب الدفع حتى يتمكن من الإطلاع والحصول على المعلومات فأغلب المراجع الهامة لا تكون مجانية أمّا المعلومات المتوفرة مجاناً فغالبا ما تكون مصادرها غير موثوقة أو غير رسمية و بالتالي لا يمكن الإستدلال بها في مثل هذه الأبحاث العلمية حيث أنه في نظر أغلب الطلاب لا تتميز مثل هذه المواقع بنفس نجاعة مغازة الكلية خاصةً في ما يخص المواضيع غير المستهلكة والتي لها علاقة خاصةً بالمواضيع الراهنة (les sujets d’actualité). كما يشكل عدم القدرة على تحميل أغلبية الكتب عائقا بالنسبة للطالب لأنه لا يمكن تحميلها في أغلب الأحيان أو حتى الإطلاع عليها إلا من خلال تسجيل الدخول من عنوان بروتوكول الإنترنت الخاص بالكلية (adresse IP de la faculté).
وقد بادرت بعض الكليّات إلى توفير إمكانيّة للنفاذ إلى هذه المواقع لطلبتها في هذه الفترة الإستثنائية و هو أمر محمود ندعو إلى تعميمه في كلّ المؤسسات الجامعية و تأمين إستمراريّته لاستفادة الطلبة بهذه المواقع في طلّ الظروف المشابهة (العطل الصيفيّة، الباحثون القاطنون في مدن بعيدة عن مؤسساتهم الجامعية، الباحثون العاملون الذين يصعب عليهم التنقّل للمكتبة بشكل مستمر بسبب إلتزامات مهنيّة إلخ..).
ثالثاً : في خصوص آجال الإيداع دورة أفريل ماي جوان 2020
تشكّل آجال الإيداع أجد أبرز المسائل التي تسبّب ضغطا بالنسبة للطلبة . في ظرفٍ مشابه ، يعتبر بعض الطلبة أنَّ مدة الحجر الصحي من شأنها أن تكون إيجابية بالنسبة للطلبة حيث توفر لهم مثل هذه الفترة الوقت اللازم للقيام بالابحاث لإتمام اطروحاتهم و بالتالي مناقشتها في الأجل الذي تم تحديده في مرحلة أولى .
و عليه فإنّهم يعتبرون تأجيل آجال الإيداع سيعطّل مسيرتهم و يحول دون مرورهم إلى مشاريع أخرى.
ولكن من جهةٍ أخرى، يرى البعض الأخر أنه من الضروري جدّا ، لحماية كافة المعنيّين وضمان عدم انتقال عدوى الفيروس باعتبار تغير الاولويات، إعتماد المناقشة عن بعد كما هو معمول به في الدول المتقدمة أولاً ولكن كما هو الحال كذلك على المستوى الوطني ، بالنسبة لإحدى الطالبات التونسية التي لم يمنعها الحجر الصحي الوقائي الذي تخضع له بأحد النزل بمدينة سوسة، بعد عودتها من إسبانيا، من النجاح في مناقشة أطروحة الدكتوراه في إختصاص اللسانيات في اللغة الفرنسية بواسطة الإتصال الرقمي عن بعد للطلبة.
و قد جاء على لسان أحد ممثلي وزارة التعليم العالي يوم 30 أفريل 2020 حيث قام بتوضيح بعض النقاط في ما يخص التربصات ومشاريع ختم الدراسة ، فمن جانب أول أجاز في إمكانيات التمديد الإستثنائي بمدة ثلاثة أشهر بالنسبة لطلبة الإجازة في ما يخص التربصات وحتى ستة أشهر بالنسبة لطلبة الماجستير وكذلك بالنسبة للمهندسين ، يعني عوضاً عن شهر جوان يتم ختمها في شهر ديسمبر.
بالنسبة لآجال رسالة الماجستير و الدكتوراه، فهنالك 46 ألف طالب معنيين بمناقشة وهنا قد تم عرض حلول بديلة ، الحلّ الأوّل في صورة إختيار الطالب أن تكون مناقشة حضورية في المؤسسة مع حضور اللجنة، في هذه الحالة تكون المناقشة بصفة إستثنائية مع أعضاء اللجنة فقط أي بحضور أربعة أشخاص فقط في القاعة ، أما الحل الثاني إن كانت المناقشة عن بعد في هذه الحالة يتوجه الطالب إلى أقرب مؤسسة جامعية بجهته التي ستوفر له كل المعدات اللازمة حتى يتمكن من مناقشة اطروحته عن طريق التداول بالاتصالات المرئية.
يرى أغلبية الطلبة المعنيين بدورة جوان أنه يجدر تأجيل مواعيد مناقشة المذكرات لأن الحجر الصحي قد أثر سلبياً على عملية البحث وذلك لتدارك صعوبات التأخر في سير البحوث. إذ وجد أغلب الطلبة أنفسهم اليوم أمام نقص حاد في المعلومات خاصةً التي يجب أن يتحصل عليها عن طريق التنقل على عين المكان )مراكز بحث، جامعات، الحصول على القرارات التعقيبية الجديدة الموجودة بصفةٍ حصرية في المحاكم والتي تستوجب الحصول على ترخيص مسبق للإطلاع عليها .. ). إذ لا تؤمن أغلب المؤسسات الجامعية المساعدة للحصول على مثل هذه المراجع الضروريّة للبحث ، حيث كان لها على الأقل أن توفر رقمنة المراجع بما أن أغلبية الجامعات توفر المراجع والكتب على عين المكان وليس عن طريق الانترنت وبذلك توفر على الطالب عناء التنقل على عين المكان و حتى نتجنب تعطيل الطالب والأستاذ على حد السواء.
دفعتنا أزمة كورونا إلى البحث عن حلول لإنجاح السنة الدراسية و تمكين الباحثين من إتمام مسيرتهم الجامعية في ظروف ملائمة و معقولة لكنّها كشفت أيضا عن فداحة الخلل الذي يشكو منه النظام التعليمي و الجامعي خاصة ما يستدعي إغتنام هذه الفرصة لإتّخاذ الخطوات اللازمة لتقويم العمليّة التعليمية و تحديث التعليم و تعصيره بما يتلاءم مع متطلبات العصر الراهن وتطوراته. فكل من قطاعات العمل ، الدراسة والبحث العلمي ستتأثر بعد مرور هذه الجائحة، الأمر الذي يفرض التغيير باتّجاه رقمنة المنظومة الجامعية في الأعوام المقبلة والعمل على رقمنة المكتبات والمراجع. فضلا عن تدريب الأساتذة و الطلبة على حدّ سواء على إستخدام الوسائل الحديثة في البحث و التواصل حتى تكون علاقة الطلبة بالمؤسسة الجامعيّة مستقرّة و متواصلة بغضّ النظر عن الظروف و المسافات بهدف تفعيل الحقّ الدستوري في التعليم الذي يشمل جودة التعليم و المساواة في التمتّع بهذا الحقّ.
POUR UN PAYS JUSTE, PROSPÈRE, MODERNE, TOURNÉ VERS LE FUTUR